يرجع تاريخ الخدمات الصحية الحديثة بالسودان الى العهد الثنائى التركى المصرى والتى كان الجيش يتولى تقديمها (1899 م) وتم فى هذا العهد بناء بعض المستشفيات وتنفيذ حملات تطعيم ضد الجدرى. تلى ذلك قيام الادارة الطبية (Medical Department ) فى العام 1904 فى شمال السودان وظلت المناطق الجنوبية تحت السيطرة العسكرية . وفى العام 1905 تم انشاء المجلس الصحى المركزى (Central Sanitary Board) الذى يطلع بالشؤون الخاصة بالصحة العامة والصحة العلاجية. فى العام 1924 تم انشاء الخدمات الطبية السودانية (Sudan Medical Services) يديرها مدير مسؤل عن الخدمات فى السودان بمافيها الخدمات الطبية العسكرية. وفى العام 1949 تم انشاء اول وزارة للصحة وعين لها الدكتور على بدرى الخريج لاول دفعة لكلية كتشنر الطبية.
في الفترة من 1951م وحتى 1960م كانت الصحة تُدار حسب قانون الحكم المحلي لعام 1951م حيث كانت هنالك مجالس بلدية وريفية تمثَّل الحكومات المحلية المسؤولة عن تقديم الخدمات الأساسية بما فيها الصحة. أما في الفترة من 1960م وحتى 1971م فقد دِيْرت الصحة حسب قانون إدارة المحافظات لعام 1960م والذي هدف لتقوية مستوي المحافظة لإيجاد مستوى إداري وسيط فاعل ليكون ممثلاً للحكومة المركزية بالمحافظة ، وبذلك فقد كانت حكومة المحافظة تتكون من ممثلين للوزارات المركزية من الكوادر القيادية (في الصحة مساعد المحافظ للشؤون الصحية) إضافة إلى أقسام المحافظة تحت إدارة المحافظ الذي يتبع إدارياً لوزارة الحكم المحلي . وقد كانت حكومة المحافظة مسؤولة عن الإشراف على السلطات المحلية وتقويتها وتوفير الميزانيات السنوية لها . وقد كانت كذلك معنية بتوفير خدمات التعليم ، الصحة ، الزراعة ، الرعاية الاجتماعية (والاشغال) العامة ، بينما ظلَّت بقية الخدمات العامة هى مسؤولية الوزارات المركزية .
ثمَّ أعقب هذه الفترة مباشرةً نظام الحكم الشعبي المحلي في العام 1971م والذي أبقى أيضاً على مستوى المحافظة كمستوى إدارى وسياسي فاعل ، حيث ظلَّت حكومة المحافظة مسؤولة عن الخدمات الأساسية مثل التعليم ، الصحة العامة ، الزراعة ، تنمية المجتمع ، (الأشغال) العامة والرعاية الاجتماعية ، وكانت حكومات المحافظات تتبع إدارياً لمكتب شؤون الحكم المحلي التابع لرئاسة الجمهورية . وبحلول العام 1979م كان قد تمَّ إلغاء سبعة وزارات مركزية وتحويل سلطاتها لحكومات المحافظات كما تمَّ أيضاً تقليص سلطات أربعة وزارات من ضمنها وزارة الصحة ، وتحويل سلطاتها لحكومات المحافظات أيضاً .
وفي العام 1980م صدر قانون الحكم الإقليمي وبناءاً على هذا القانون فقد تمَّ تقسيم شمال السودان الى خمسة أقاليم واحتفظت الخرطوم بوضعية خاصة ، كما تمَّ تقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقاليم . وقد قامت في كل إقليم حكومة تتكون من حاكم إضافة إلى مجلس لوزارات خدمية معنية بالخدمات الإجتماعية مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ، وقد كانت الصحة تقع تحت مظلة وزارات الرعاية الإجتماعية في كل الأقاليم عدا الخرطوم والاقليم الأوسط حيث كانت هنالك وزارات منفصلة للصحة . وفي سياق الحكم الإقليمي صدر قانون الحكم المحلى لعام 1981م لإكمال الصورة على المستوي المحلي حيث قوَّى هذا القانون مستوى الحكم المحلي مرة أخرى حيث قامت مجالس للمناطق ذات موارد مالية مستقلة.
ثمَّ جاءت فترة نظام الحكم الفدرالى الذي قام عبر عدد من المراسيم الدستورية منذ العام 1991م وحتي إكتملت صياغتها في وثيقة واحدة هي دستور 1998م وقانون الحكم المحلي لعام 1998م ، وقد تمَّ البناء في هذه الفترة على تجربة الحكم الإقليمي ، حيث تمَّ في العام 1991م إستبدال إسم (إقليم) بإسم (ولاية) وبذلك أصبحت هنالك تسعة ولايات تمَّ زيادتها في العام 1993م إلى ستة وعشرين ولاية وفي كل ولاية يوجد مجلس لوزارات خدمية ، وأصبحت هنالك وزارة واحدة للصحة والشؤون الإجتماعية في كل الولايات بإستثناء ولاية الخرطوم التي كانت لها وزارات منفصلة للصحة والشؤون الإجتماعية . كما تمَّ الإبقاء على المستوي المحلي (المحلية ) كمستوى محلى فاعل كما كان في الحكم الإقليمى ، له إستقلالية فى الموارد ومسؤول عن الخدمات الأساسية بما فيها الصحة ويتبع إدارياً لوالي الولاية بطريقة مباشرة وأصبحت الوزارات الولائية مسؤولة عن المحليات فنياً ، بينما ظلَّ مستوى المحافظة لا يتمتع بأى سلطات إدارية وانحصر دوره في المهام الامنية والتعبئة السياسية ، تماماً كما كان الحال في فترة الحكم الإقليمي .